Pages

07‏/09‏/2011

الخبز في مصر القديمة


منذ أقدم العصور التاريخية كان المصري القديم يعتبر الخبز طعامًا أساسيًا تقوم عليه حياته ، ولذلك احتلَّ الخبز مركزًا رئيسيًا ، بل كان على قمة الطعام اليومي لقدماء المصريين ، وعندما نلقى نظرة على قوائم القرابين والنقوش الكثيرة التي تركها المصري القديم على جدران المعابد والمقابر ، وكذلك على قوائم الطعام التي يأخذها الموتى معهم والقرابين التي تقدم للآلهة في المعابد ، وكذلك القرابين الجنائزية التي تقدم على موائد القرابين أمام المقابر حيث نجد أن الخبز احتل المرتبة الأولى ، ولذلك ليس مستغربا أن نحصى ما يقرب من خمسة عشرة نوعًا من الخبز خلال الدولة القديمة ، ولكن بمرور الزمن ووصولا إلى الدولة الحديثة تزداد تلك الأنواع حتى تصل إلى ما يقرب من أربعين نوعًا من الخبز والمخبوزات المتنوعة التي اختلفت أشكالها ما بين المستدير والبيضاوي والملفوف والمخروطي الشكل ، كذلك اختلفت أنواع الدقيق المستخدم في تلك الصناعة مابين القمح والشعير والذرة ، وأيضا المواد الأخرى الداخلة في صناعة الخبز مثل الزبد واللبن والعسل والبيض ، ولذا اختلفت أشكال الخبز والفطائر بعضها عن بعض ، وبالتأكيد كما اختلفت في مظهرها اختلفت أيضا في مذاقها . أطلق المصري القديم على الخبز العادي اسم " تا " ، ويبدو أن الخبز كان قديمًا يصنع داخل المنزل كما هي العادة الآن في المناطق الري فية ، وتقوم بصناعته سيدة الدار ، أما المنازل الفسيحة لكبار القوم ، ولكثرة المقيمين بداخلها من أهل الدار وخدم فكان بها على مايبدو مكاناً مخصصاً لصناعة الخبز .
و يؤكد ديودور الصقلي أن هناك شواهد تاريخية تضع صناعة الخبز كأول اختراع للإنسان بعد مرحله أكل اللحوم النيئة حيث يذكر( بعد المرور بفترة طويلة من أكل اللحوم تحول الإنسان إلى أكل فواكه الأرض و التي تضمنت فيما بينها الخبز من نبات اللوتس) ( أنظر الوصفة ص 90) .
و بالرغم من الخبرة القليلة في عمل الخبز فإن المنتج النهائي يفترض أنه يشبه الرغيف الرقيق و الذي يشبه خبز الفلاحين في مصر الآن ( أنظر الوصفة ص 107) أو الرغيف السميك و الذي يشبه العيش الشمسي في الصعيد و الذي يكور و يترك ليخمر في الشمس لينتج لنا الخبز الجاف و المحمص من الخارج و الطري من الداخل ( أنظر الوصفة ص 103) .
و نجد نصا يرجع إلى منتوحتب الثالث (2019-2007 ق.م) يتفاخر فيه بالإنجازات التي قام بها رجاله، و يذكر فيه:
( لقد تقدمت بجيش قوامه 3000 رجل امتد فيه ميدان القتال إلى النهر و الصحراء حيث أعطيت كل رجل قربه من الجلد و عصاه طويلة لحمل الأشياء و دلوين من الماء و عشرون رغيفا لكل رجل في اليوم الواحد). كما يذكر سيزوستريس أن الخبز المصنوع من القمح كان يقدم للكهنة طازجا كل يوم. و كان الكاهن الأكبر يقدم إليه في الشهر الأول من كل فصل في اليوم الثامن عشر ( يوم عيد التلويح) :
400 رغيف مفرود
10 أرغفة بيضاء لاستخدامه الشخصي
و لزملائه الكهنة :
200 رغيف مفرود
5 أرغفة بيضاء
و لكل من الأتي أسماؤهم :
- رئيس الأشياء السرية
- حارس الزى الإلهي
- المشرف على المخازن
- المشرف على الصالة الكبرى
- المشرف على منزل القرين ( الكا)
- كاتب المعبد
- كاتب المذبح
- كاهن الطقوس
يقدم عدد 500 رغيفا من خبز ( الرت) و عشرة أرغفة بيضاء.
"الشعير : (إت)"
لايمكن تأكيد استخدام الشعير في مصر قبل العصر النيوليثى حيث ذكر كل من Tackholm &Al في موسوعاتهما (FloraofEgypt ) أنه قد تم العثور على بقايا من الشعير منذ حوالي 14000 سنة ق.م



مرورا بحضارات تاسا و الفيوم و البدارى و المعادى و حتى العصر البيزنطي.
و استنادا على البقايا التي تم العثور عليها في الفيوم نجد أن الأنواع القديمة من الشعير لا تختلف عن الأنواع الموجودة الآن.
و لقد تم تحديد خمسة أنواع منها وهى كالتالي:
- Hodereumdistichum
- H. deficiens
- H. vulgare
- H. hexastlchum
- Triticumdisoccum
ولقد تم العثور على بقايا ترجع إلى عصر الأسرات و تم فيها تحديد نوع يشبه النوع المعروف حاليا باسم شعير المنصورية.
و لقد عثر على نص من عهد الملك تحتمس الثالث - الدولة الحديثة - و يرجع إلى 1450-1405 ق.م يوضح قيام الملك بتقديم قرابين من الشعير إلى الآلهة .
كما قام الملك حور محب (1341-1320 ق.م) بتقديم هبات إلى عامة الشعب من الشعير لإظهار كرمه. و في بردية (نو) يذكر المتوفى :
( دعني أعيش على الخبز المصنوع من الشعير الأبيض و البيرة المصنوعة من الشعير الأحمر).
واستنادا لما عثر عليه في أمعاء كل العينات التي ترجع إلى العصور الأولى من كل من مصر و النوبة تم تحديد الشعير و الذي تقدم على القمح.
و تؤكد الشواهد الدينية و اللغوية و التي ترجع إلى عصرى الدولتين القديمة و الوسطي أن الضرائب كانت تجبى على الشعير و القمح حيث تم ذكر الشعير أولا قبل القمح ، و تماثل القيمة الغذائية للشعير 3/5 القيمة الغذائية للقمح.
"أنواع الشعير "
نجد أن هناك اتفاقا في الماضي على استعمال الشعير في عمل الخبز في مصر القديمة.
و يرجع الاختلاف و التنوع في نوع الشعير إلى أماكن زراعته أكثر من الاختلافات بين أنواع الحبوب نفسها. و كان تصنيف الشعير يتم كالتالي:
شعير مصر العليا و شعير مصر السفلى
أو شعير أبيض وشعير أحمر
وبالرجوع إلى برديه تعود إلى 252 ق.م نجد أن الشعير كان يقدم كطعام للحيوانات كالأحصنة و الأغنام بالإضافة إلى الاستهلاك الآدمي.
وكان منقوع الشعير يستخدم للاستشفاء من الأمراض بالإضافة إلى الفوائد العلاجية العديدة التي استخدم فيها كل من حبوب الشعير و دقيق الشعير و الحبوب المحمصة و المخمرة و المنبتة و المجروشة، كذلك استخدم قش الشعير في التبخير.
"القمح : ( سوت)"

استخدم القمح في مصر القديمة منذ عصر الأسرات حيث عثر عليه في العديد من المقابر ، كما جاء ذكره في بردية (هاريس) و التي ترجع إلى عصر الملك رمسيس الثالث حيث يذكر فيها قيام الملك بتقديم هبات عظيمة من القمح إلى المعابد و الآلهة في أنحاء البلاد ، و لم يكن استخدام القمح كحبوب تؤكل شائعا حتى عصر الأسرات الحديثة حيث حل محل الشعير كمحصول رئيسي للبلاد.
ومن المرجح أن القمح لم يكن يستخدم بشكل واسع في طعام الطبقة الفقيرة نظراً لارتفاع ثمنه عن الشعير.
كما كانت هناك أطباق شائعة يستخدم فيها القمح المجروش ( البرغل ) حيث يذكر ( أثيناوس) أن البرغل المصري كان ذو نوعية عالية حتى إنه أستخدم في عمل الأكلات التي كانت تقدم في الأعراس اليونانية.
و كان يتم تجنب تناول القمح في حالات الحداد على ملوك مصر الراحلين .
كان محصول القمح يتم حصاده ثلاث مرات في العام نظرا لارتفاع درجات الحرارة، و كان يستخدم لدفع الرواتب و الإيجارات و الضرائب ، و عندما كان يتم تخزينه بكميات كبيرة فإنه يمثل ثروة للفرد يتم توارثها.





"إعداد الخبز"

من المناظر والنقوش التي تركها لنا المصري القديم نستطيع أن نتتبع مراحل صناعة الخبز ، وكان الفلاحون والأغنياء على حد السواء يختزنون كمية من الحبوب في منازلهم بعد موسم الحصاد حيث يضعون الحبوب في شون مبنية من الطين ، وكان الفلاح المصري يقيم صوامع للحبوب تأخذ شكل القمع له فتحة من أعلى لوضع الحبوب وأخرى من أسفل للاستهلاك اليومي .
في بادئ الأمر كانت الحبوب تستخدم كاملة في عمل الخبز العادي و البسكويت غير المخمر حيث كان يتم نقع الحبوب أو تحميصها لتسهيل استخراج الحبوب الكاملة
ونزع القشرة الخارجية للحبوب و نخلها لعمل الخبز.
وفي مرحله متقدمه كانت الحبوب تطحن بواسطة الرحايا وكان ذلك يترك للمرأة للقيام به ، و كانت الحبوب المطحونة تنخل بعد ذلك من خلال مناخل من البردي .
وتبدأ مراحل تلك الصناعة بتنقية الحبوب من الشوائب كافة ، لينتقل إلى مرحلة الطحن بواسطة هاون من الحجر أو عن طريق الرحايا المكونة من حجرين فوق بعضهما البعض والأدنى أضخم من الأعلى ، وعادة كانت تبدأ تلك العملية بوضع الحبوب في الهاون لطحنها بواسطة مدقه ثقيلة ‘ ليأخذ الناتج بواسطة النساء لوضعه في غربال لفصل النخالة عن الدشيش حيث تؤخذ النخالة لتستعمل كطعام للماشية ، أما الدشيش فيطحن مرة أخرى ثم ينخل ويعيدون الكرة حتى يأخذ الدقيق النعومة المطلوبة .
وكان المصري القديم يعد يوميا الكمية التي يحتاجها من الدقيق واللازمة لاستهلاكه اليومي ولم يحاول أن يعد كمية كبيرة من الدقيق ، وتخزينها حيث نرى في النقوش أن الطحانين يعملون جنبا إلى جنب مع الخبازين.
بعد مرحلة طحن الحبوب تبدأ مرحلة العجن ثم يترك العجين حتى يختمر لتبدأ مرحلة إنضاج الخبز‘ وكان منذ عهد الدولة القديمة يتم بواسطة قوالب مخروطية الشكل توضع فوق النار ، وعندما تصل الحرارة إلى الدرجة المطلوبة توضع تلك القوالب على لوحة ذات ثقوب مستديرة يملئونها بالعجين وتغلق فتحات القوالب العليا وينتظرون حتى إتمام عملية نضج الخبز فيسحبونه من فوق النار ويرفعونه من القوالب ليوضع داخل سلال من سعف النخيل .
كما كان هناك طريقة أخرى لإنضاج الخبز بوضع بلاطة طينية فوق قالبين من الطوب بينهما النار و يتم وضع العجين فوق البلاطة حتى ينضج ويصبح خبزا.
و في عصر الدولة الحديثة كانت تستعمل نفس الطريقة السابقة ، ولكن ظهر بجانبها أفران يمكن خبز عدد و فير من الأرغفة فيها حيث عثر على نماذج منها بمنطقة تل العمارنة ، وتعود إلى عصر الأسرة الثامنة عشرة ، بعض منها كان ذو شكل مخروطي ويصل ارتفاعه إلى حوالي المتر و كان مصنوعا من الطوب اللبن ومفتوحا من أعلى لإخراج الدخان ، وذو فتحة سفلية لإشعال النار .




وقد وصلت إلينا العديد من النقوش والتماثيل التي تصور مراحل صناعة الخبز فهناك تمثال يصور امرأة جاثية على ركبتيها تطحن الحبوب بواسطة حجرين ، ويعود هذا التمثال إلى عصر الدولة القديمة ومعروض الآن بالمتحف المصري ، ونقش يعود إلى الدولة الوسطى يصور رجالا ونساءً يقومون بطحن الحبوب لإعداد الدقيق لعمل الخبز ، كذلك عثر في مقبرة " مكت رع " من الدولة الوسطى على نموذج لمخبز ومعجن يعمل به رجال وسيدات ، كذلك نقش على جدران مقبرة رمسيس الثالث يصور مناظر العجن والخبز ، وهناك نص يعود إلى عصر الأسرة الخامسة – الدولة القديمة – على أحد جدران مقبرة المدعو " تى" بمنطقة سقارة يذكر عملية نخل الدقيق بعد طحنه ، واللازم لصناعة الخبز حيث يقول " اطحن اطحن جيدا ، أنى أطحن بكل قواي ، أن الخادمة تقوم بنخل الدقيق وخبزت الكعك لنفسي " ، ومن عصر الدولة الوسطى عثر على بعض الأنواع من الخبز في المقابر التي تعود إلى هذا العصر كانت مختلفة الأشكال والأحجام منها المستدير والمستطيل وبعضها على شكل آدمي أو حيواني ، وربما كانت تلك الأشكال تصنع خصيصا للأطفال .

أنواع الخُبز في مصر القديمة

- هناك نوع من خبز القرابين الأبيض على شكل قمع و يسمى T-hd( ت – حچ) و كان يمثل في الكتابة الهيروغليفية بإضافة مخصص له على شكل هرمي و الذي يمثل الرغيف و الخبز عامة ، و إذا رسم بمفرده أو براحه يد تمسك به فإنه يعنى حرف ال (di) و تعنى فعل (أعطى).




- و هناك نوع آخر على شكل دائري أو بيضاوي و به بعض الخطوط العميقة كي تسمح بخروج الهواء من الداخل أثناء عملتي التخمير و الخبز .
- كما كان هناك نوعا من الخبز على شكل مثلث و كان من النوع المفضل حيث ظهر في كل المتاحف وفي معظم النقوش .
- أما النوع النصف دائري فكان من الأنواع الشائعة حيث أستخدم في الكتابة للتعبير عن حرف ال (t).
- كذلك يوجد النوع الر فيع و المقعر و الذي يأخذ شكل الأسطوانة الداخلي و التي يتم الخبز عليها. - بالإضافة إلى عده أنواع من الأرغفة المستديرة و المحاطة بحواف عالية تماثل البيتزا الحالية حيث يوضع في منتصفها قبل الخَبز بيضه أو أي نوع أخر من أنواع التجميل .
- كذلك عرف وضع بعض الأطعمة بداخل طبقتين من الخبز مثل الساندويتش الحالي.
- و هناك نوع أخر تحقق منه (grüss) سنه 1932 حيث كان يرش بالدقيق أو يضاف إليه جزء من العجين النىء في منتصف عمليه الخبز ثم يكمل الخَبز بحيث يكتسب الوجه اللون الحمر و كل ذلك كان يتم بمهارة فائقة.
- أما في الدولة الحديثة نجد أنواعا طريفة من الخبز أو من الكعك على شكل إسطوانى يشبه السويس رول حاليا أو نجد أنواعا على هيئة بقرة أو إوزة أو بشكل امرأة حيث كانت تستخدم إما كنوع من ألعاب الأطفال على شكل كعكة أو رغيف، أو كانت تستخدم في أغراض السحر حيث كانت تنقش عليها بعض التعاويذ أو تقرأ عليها قبل إطعامها لقطة للشفاء من المرض الغامض الذي يرمز له ب ( عاعاعا ) .
- و في بعض الأحيان كان الخبز يصنع على هيئة فرس النهر أو الخنزير ليقدم في المناسبات الدينية التي كان لابد فيها من تقديم أضحية حية ، حيث كان الفقراء يقومون بعمل الخبز على هذه الهيئة و يقدمونه في المذبح. - أما بالنسبة للعصر اليوناني و الروماني في مصر فلقد أضيفت العديد من الإضافات للكعك مثل السمسم و العسل و الينسون و الفواكه الجافة ، كما كان يتم تحليه الكعك وإضافة بعض النكهات إليه حيث نجد أن هناك نوعا كان منتشرا في الإسكندرية كان يصنع من الحبوب المنخولة و المضاف إليها العسل و تشكل على هيئة كور و تلف في ورق البردي و كانت تسمى (Pankarpian ) .
- و يذكر ثيوفراستوس أنواعاً من الخبز كانت تصنع في مصر من ثمرة الدوم و اللوتس و أكد ذلك كل من ديودور و بليني.
وقد حاولنا في الجزء الخاص ببعض مفردات اللغة المصرية القديمة والمتعلقة بالطعام المصري القديم تقديم أسماء لبعض أنواع المخبوزات مثل نوع من الفطائر يسمى " أع " و" عكك " و" بفسو " و" بست " و "باق " وهو نوع من الحلوى و" بسن " خبز القرابين و" فقا " و" سوت " وهو خبز العشاء و" شعت " .
ولكن لكثرة الأنواع التي وصلت إلى الأربعين نوعًا في الدولة الحديثة، فهناك صعوبة في وصف كل نوع خاصة وأننا لم نعثر حتى الآن على نقوش أو مخطوطات تفسر لنا تلك الأنواع وتصنفها وتشرح مكونات صناعة كل نوع منها.
عن كتاب وصفات من المطبخ الفرعونى
تأليف عمرو حسين وماجدة المهداوى
منقول
Knol وحدة المعرفة

المصدر: علماء الآثار | archaeologists - من قسم: قسم الآثار المصريه  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق