( الملك مينا / مني .... حقيقة أم أسطورة ؟ )
......... يحاول الدارس من خلال هذا المقال
أن يتناول القضية الشهيرة للملك مينا أو مني ، و هى الإشكالية التى تناولها علماء المصريات الأوائل
و من تولوا الراية بعدهم و هى لا زالت حتى
الآن مثار جدل لم ينتهى بين الباحثين و لا يفوتنى فى هذا الصدد أن أهدى هذه الدراسة للأستاذ المحترم و الصديق
العزيز ( ماجد حسيب ) نظرا لما يقوم به من
مجهود علمى واضح لخدمة الجميع . تجدر الإشارة إلى أن عدد كبير من الدارسين إتجه فى بادىء الأمر إلى إعتبار
الملك مينا / مني حقيقة تاريخية بناءا على
مايلى :
1 - ظهور إسم الملك ( مني ) فى قوائم الملوك التى
ترجع لعصر الدولة الحديثة .
2 - ظهور المنطوق
اللفظى ( مني ) على بعض آثار الأسرة الأولى .
3 - ماورد فى مصادر المؤرخين فى العصر المتأخر و لاسيما
( هيرودوت ) الذى تحدث عنه كأول ملك وحد الأرضين
و قام بتأسيس العاصمة ( منف )
4 - نسب له البعض
مقبرة فى ( نقادة ) و نسب له آخرون مقبرة فى ( سقارة )
و فى مرحلة لاحقة ظهر فريق من الباحثين و حاول أن
يعتبر ( مني ) و ( نعرمر ) و ( حور عحا ) ملك
واحد ثم ظهر فريق آخر و تبنى رأيا مفاده أن ( مني ) هو ( نعرمر ) الذى أسس مدينة ( منف ) و أن ( حور
عحا ) هو من تولى زمام الأمور من بعده كإبن
و وريث شرعى له ... و هنا ينبغى أن نشير إلى وجود عدد من الحقائق الهامة التى كشفت عنها الدراسات و المقالات
العلمية الحديثة تمثلت فيما يلي :
1 - لا يمكن أن يكون
( نعرمر ) هو ( مني ) ، فإذا كان ( مني ) هو
مؤسس مدينة ( منف ) طبقا لما ورد عند ( هيرودوت ) ، فكيف يختفي إسم ( نعرمر ) من جبانة سقارة ؟ فلا وجود
لإسم نعرمر فى الجبانة المنفية
2 - لا يوجد أثر واحد
يجمع بين ( مني ) و ( نعرمر ) و ( حور عحا
) ، الأمر الذى يعكس أن هناك شكا كبيرا فى إعتبار الثلاثة شخصا واحدا
3 - من الصعب أن نعتبر
( نعرمر ) هو ذاته ( حور عحا ) و ذلك لعدم وجود أى أثر يجمع بين الملكين بالإضافة إلى وجود براهين
أركيولوجية تؤكد أقدمية الأول عن الثانى
........... و لاريب أن الدراسة التى تقدم بها عالم المصريات الألمانى ( helck ) قد حسمت كثيرا
من الجدل الدائر حول هوية الملك ( مينا ) فكانت
أبرز النتائج العلمية التى تقدم بها تتمثل
فى تفنيد القرائن التى تجعل من الملك ( مينا
) شخصا تاريخيا للأسباب التالية :
1 - إن العلامة التصويرية
التى قرأها البعض ( مني ) هى قراءة خاطئة ، فهى لا تشير من قريب أو بعيد للمنطوق اللفظى
( مني )
2 - إن القائمة الملكية
الوحيدة التى تعود لعصر الدولة القديمة ( حجر
بالرمو ) لا تذكر إسم ( مني ) كموحد للقطرين و كمؤسس للأسرة الأولى ، بل تذكر ( حور عحا ) كمؤسس حقيقى لتلك الأسرة
3 - لا توجد أى مقبرة
فعلية لهذا الملك ، فمقبرة ( نقادة ) التى
كانت تنسب له ، ثبت لدينا أنها مقبرة للملكة
( نيت حوتب ) زوجة الملك ( نعرمر ) ، كما أن مقبرة ( سقارة ) التى كانت تنسب له أيضا بإعتباره ( حور عحا ) ، تأكد
لدينا أنها مقبرة أحد كبار رجال الدولة الذين
عاشوا فى عصر الملك ( حور عحا )
4 - إن المنطوق اللفظى ( مني ) لم يظهر قبل عصر الدولة الحديثة
على قوائم الملوك ، فهو الإسم الذى أوجده كهنة
مصر آنذاك لتحديد نقطة بداية للملكية المصرية و
تعيين هوية أول من حكم مصر و لا سيما و أن الوثائق الخاصة بالفترة التى توحدت فيها البلاد لم تكن واضحة و قاطعة فى هذا
الصدد و لاشك أن عدم إكتمال مقومات الكتابة
المصرية القديمة فى ذلك الوقت جعل الحدث نفسه ( توحيد مصر ) يقع فى ضباب النسيان ، فاختاروا إسم ( مني ) بمعنى
( الدائم / الخالد / المثبت ) فكان ذلك لقبا
أكثر منه إسما
5 - لم تكن هناك عبادة
للملك ( مني ) على الإطلاق قبل عصر الدولة
الحديثة فلو كان هو الموحد الفعلى للقطرين
فكيف تجاهله المصريون حتى نهاية عصر الإنتقال الثانى ؟
6 - لا يجوز أن نعتبر ( وحدة مصر السياسية ) حدث قام به
ملك واحد ، فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن
بدايات الوحدة المصرية تمت على خمس مراحل تدريجية خلال مايعرف ب ( الأسرة صفر ) ، و أن آخر ملوكها ( نعرمر
) أتم و أكمل جهود أسلافه من الملوك و لايصح
أن ننظر إلى صلاية الملك ( نعرمر ) على أنها تسجل
حدث قيام الوحدة بعدما تبين لنا أن ( وحدة مصر ) ربما قد إكتملت قبل عصره و أن تفسير مناظر الصلاية حاليا ينحو منحى ( دينى
سياسى دعائى ) أكثر منه ( تاريخى )
7 - كشفت البعثة الألمانية
عن طبعتى ختم فى أم الجعاب و نقش عليهما أسماء
ملوك الأسرة الأولى ( و هى أقدم قائمة ملوك فى الحضارة المصرية ) ، حيث بدأت القائمة بالملك ( نعرمر )
آخر ملوك الأسرة صفر ، و كان الإسم الذى يليه
مباشرة ( حور عحا ) أول ملوك الأسرة الأولى دون أى ذكر لإسم ( مني ) مما يعكس أنه لا وجود لملك حكم مصر
بإسمه فى تلك الفترة و أن ( نعرمر ) و ( حور
عحا ) ملكين مختلفين .
8 - كشفت الحفائر
عن وجود مدينة ( منف ) منذ نهاية عصر نقادة الثانية على اقل تقدير ( حوالى عام
3300 ق.م ) أى قبل عصر الأسرة ( صفر ) بمائة سنة تقريبا مما يعكس أنها كانت موجودة
على مسرح الأحداث قبل أن تتوحد البلاد بفترة طويلة و أن نشأتها لم ترتبط بملك أوجدها
كما أشارت المصادر المصرية فى العصر المتأخر
0 comments:
إرسال تعليق