(إبن آوى منذ عصور ماقبل الأسرات و حتى نهاية عصر
الدولة القديمة )
........................ يعتبر إبن آوى من الكلبيات
البرية التى تسكن الصحراء القريبة من الوادى
، وقد إشتهر بمهاجمة الجبانات لأكل الجيف و من
هنا إرتبط بعدد من الآلهة الموتى و عالم الغرب . و قد أدى وجود هذا الحيوان فى المنطقة التى على الحافة بين الصحراء
و الوادى ، بين العالمين البرى و المنظم ،
عالم الموتى و عالم الأحياء ، إلى إقترانه بفكرة الإنتقال من عالم إلى عالم منذ عصور ماقبل الأسرات . و يرى
البعض أن المصرى القديم قدس ذلك الكائن درءا
لخطره المتمثل فى الهجوم على الدفنات و أكل الجيف إلا أن ذلك لم يكن هو الدافع الوحيد لتقديس إبن آوى
، فقد لاحظ المصرى القديم منذ عصور الترحال
بقدرة إبن آوى الفائقة على العدو بسرعة مذهلة فى دروب و طرق الصحراء فلا يتيه فيها أبدا و لذلك ظن المصرى
القديم أن الصحراء بدروبها و ممراتها هى مملكة
إبن آوى ( الخبير و العارف بكل أسرارها ) ، كما
إشتهر بمقدرته على الصيد داخل الصحراء حيث إعتمدت عليه جماعات الترحال فى العصر الحجرى الحديث فى غذائها فكان يحضر لهم الحيوانات
البرية المستئنسة و لذلك سيظهر فى بداية العصر
العتيق على أنه المتكفل بإحضار القرابين للملك
الحاكم فى عالمى الدنيا و الآخرة ............ إن أقدم الإشارات التى تدل على وجود تقديس لإبن آوى ظهر فى حضارة البدارى منذ
بدايات العصر الحجرى النحاسى فى مصر (
4000 ق.م ) ، حيث عثر علماء ماقبل التاريخ على عدد من دفنات إبن آوى المكفنة تماما كدفنات الآدميين هى
و مجموعة أخرى من الحيوانات ، الأمر الذى يدل
على إحتمالية وجود شعائر و طقوس وجهت لذلك
الحيوان فى البدارى . و منذ بداية عصور ماقبل الأسرات ظهرت رسوم تخطيطية بسيطة تمثل حيوانات إبن آوى على فخار حضارة نقادة
الأولى ( من 3900 ق.م و حتى 3600 ق.م ) المعروف
بإسم الفخار ذى الخطوط البيضاء المتقاطعة ، و فى
عصر نقادة الثانية ( 3600 ق.م و حتى
3200 ق.م ) يبدوا أنه قد إتخذ هيئة و سمة المعبود
بشكل صريح حيث بدأت تصنع مجموعة من التمائم تصوره كمعبود و من هنا إنتشرت تمائمه على سبيل المثال لا الحصر فى
المستجدة و شرق الدلتا و نقادة و ربما كانت
تقام له شعائر بشكل منتظم فى تلك الفترة . و سرعان مارتبط هذا المعبود بالملكية فى نهايات عصر نقادة
الثالثة - الأسرة صفر ( 3200 ق.م و حتى
3000 ق.م ) حيث ظهر ضمن ألوية المعبودات المنقوشة على مقمعتى ( العقرب ) و ( نعرمر ) ممثلا لمعبود سيعرف
فى بداية الأسرات بإسم ( وب واووت ) و يعنى
إسمه فاتح الطرق و صوروه على هيئة إبن آوى القائم أو الراكض و أسند له أنصاره و ظيفتين :
1 - أصبح إبن آوى الراكض و
لأول مرة مرتبطا بفتح الطرق للملوك خلال المعارك
العسكرية فهو ( فاتح طرق الصحراء ) لتحقيق
النصر للملوك و من هنا أصبح ( وب واووت ) يرتبط دوره بالملكية الدنيوية و ليس فقط الأخروية .
2 - تمثل دوره الثانى فى وظيفته التى عرفوها عنه منذ عصور ماقبل الأسرات
، فهو العارف بدروب الصحراء ( جبانة الموتى
) ، فأصبح يفتح طرق الأبدية للمتوفى ، فمن يظل فى صحبته لايضل الطريق أبدا فى ممرات و دهاليز العالم الآخر .
و جدير بالذكر
أن كبير كهنة ( وب واووت ) فى العصر العتيق كان هو ذاته ولى العهد المرشح لتولى حكم البلاد بعد وفاة أبيه و لذلك كان
هو نفسه الشخص الذى يتولى الإشراف على دفن
الملك فى بداية الأسرات و عندما ظهرت الإرهاصات
الأولى للأسطورة الأوزيرية رسميا فى نهايات عصر الأسرة الخامسة أشارت بعض متون الأهرام إلى أن ( وب واووت ) هو إبن الملك
المتوفى ( أوزير ) الذى يقوم بتحنيطه! ثم جاء
كهنة أوزير فى عصر الدولة الوسطى و إعتبروا ( وب
واووت ) هو ( الإبن الأول ) لأبيه ( أوزير ) متجاهلين تماما المعبود ( حورس ) !! الأمر
الذى يعنى أن كهنة ( أوزير ) إستلهموا موروثات ملكية واقعية لنسج أسطورة ربهم . ..............................
.... و لم يكتفى أتباع ( إبن آوى ) بالهيئة الأولى التى عرفت عنه فى نهايات
( الأسرة صفر ) بل نسبوا إليه هيئة أخرى إشتهر
بها فى ذات الفترة و هى هيئة إبن آوى الرابض
و أطلقوا عليه لقب ( خنتى إمنتيوا ) بمعنى ( أول الذين فى الغرب ) و يشير إلى أنه يقف كأول كائن عند حافة
الصحراء ( = الجبانة ) لكى يستقبل المتوفى
فى مملكة الغرب و يرحل به نحو العالم الآخر .
و يطمح هذا
المقال إلى الكشف عن أقوى الأدوار الدينية التى نسبت ( لإبن آوى ) فى ( عصر نقادة الثالثة - الأسرة صفر ) ، فقد ظهر فى
صلايات تلك الفترة و هو يحيط بقرص الشمس من
جميع الجهات تارة ، و رافعا لقرص الشمس تارة أخرى الأمر الذى يعنى بداية وجود صلة و علاقة دينية بين الديانة
الشمسية و عقيدة ( إبن آوى ) فى تلك الفترة
فى إطار الملكية الناشئة للأسرة ( صفر ) ، فقد
إعتبر من الحيوانات المدافعة عن الشمس خلال رحلتها فلا يصيبها أى ضرر عند رحيلها نحو العالم الآخر فقد رأى المصرى القديم
و قوف ذلك الحيوان عند قمم و مرتفعات الجبال
فاعتقد أنه يقوم بحماية الشمس عند غروبها مابين الجبال و ربط بين ذلك المشهد و قدرة إبن آوى على الحركة بسرعة
مذهلة داخل الممرات و الدروب الجبلية
و لذلك إعتبروه الأفضل على الإطلاق لحماية الشمس الغاربة .
و عندما إستقرت الصيغة التقديسية لإبن آوى فى عصر
نقادة الثالثة - الأسرة صفر ، أصبح مقر عبادته
الرئيسى ك ( خنتيى إمنتيوا ) فى ( كوم السلطان ) فى ( أبيدوس ) بجوار الجبانة الملكية لملوك الأسرة (
صفر ) فى ( أم الجعاب ) كما إستقرت عبادته
الرئيسية ك ( وب واووت ) فى ( أسيوط ) . و من خلال حفائر البعثة الألمانية فى أبيدوس ، عثر ( جونتر دراير
) على طبعتى ختم دونت عليهما أسماء ملوك الأسرة
الأولى بداية من ( نعرمر ) - آخر ملوك الأسرة صفر
و حتى الملك ( قاعا ) - آخر ملوك الأسرة الأولى ، و هى تعتبر أقدم قائمة لأسماء ملكية معروفة لدينا حتى الآن و ظهر عليها
إسم كل ملك و بجواره صورة المعبود ( حورس
) رب الملكية الأول و ( خنتى إمنتيوا ) الأمر الذى يعكس حقيقة هامة : أنالملك فى عالم الدنيا هو تجسيد
( حورس ) السماء على الأرض و عند وفاته فهو
يتقمص هيئة ( خنتى إمنتيوا ) فى العالم الآخر و لم يكن فى تلك الفترة أى وجود رسمى مؤكد للمعبود ( أوزير
) كرب للعالم الآخر فذلك الدور لن ينسب إليه إلا بعد إتحاده ب ( خنتى إمنتيوا
) فى نهايات الدولة القديمة
و نظرا لأهمية ( خنتى إمنتيوا ) و إرتباطه الوثيق
بالملكية فقد ورد إسمه 25 مرة فى نصوص الأهرام
فى نهايات عصر الدولة القديمة حيث أماطت اللثام
عن أدوار و وظائف دينية مختلفة له ، فقد تحدثت الفقرة رقم ( 674 ) عن جلوس الملك على عرش ( خنتى إمنتيوا )
فى العالم الآخر ( كن طاهرا أيها الملك و اجلس
على رأس أولئك الذين هم أعظم منك و اجلس على عرش خنتى إمنتيوا ) ، كما أشارت الفقرة رقم ( 556 ) إلى نهوض
الملك من رقدته بفضل توحده بإبن آوى ( قدماك
هما قدما إبن آوى ، فانهض و ذراعاك هما ذراعا إبن
آوى ، فانهض ) و عندما يتوحد الملك بذراعى و قدمى إبن آوى فإنه لايموت أبدا و يظل دائما فى حالة حركة و نشاط . و عندما إتحدت
الملكية بالمذهب الأوزيرى و بدأ الملوك يصورون
أنفسهم فى شكل المعبود ( أوزير ) فى معابدهم
فى نهايات الأسرة الخامسة ، بدأ كهنته يجدون الصلات بين ربهم و ( خنتى إمنتيوا ) فانتحل لنفسه كل سماته و ألقابه و أ دواره
و من هنا ظهرت بعد الفقؤات فى متون الأهرام
التى تشير صراحة إلى إندماج ( أوزير ) ب ( خنتى
إمنتيوا ) حتى أصبح خنتى إمنتيوا يلحق
و يوصف كلقب ( لأوزير ) و من هنا أصبح يعرف
بإسم ( أوزير خنتى إمنتيوا ) بمعنى أن المعبود الذى يقف فى طليعة مملكة الغرب هو ( أوزير ) و لذلك السبب بدأ كهنة
( خنتى إمنتيوا ) البحث عن بديل آخر لمعبودهم
بعد أن أدركوا قوة الديانة الأوزيرية و من هنا ظهر و لأول مرة المعبود ( إنبو - أو - أنوبيس ) فى نهايات عصر الأسرة الخامسة و الذى لم يكن سوى صورة ( خنتى إمنتيوا ) القديمة
فكان بديلا له فأعطوه نفس شكله القديم ( ابن
آوى الرابض ) و حتى لايصيبه مصير ( خنتى إمنتيوا ) نسبوا إليه وظيفة المحنط لجسد المعبود ( أوزير ) فقام
بتطهير أحشائه فى أبيدوس و عندئذ صعد ( أوزير
) نحو السماء طبقا لما ورد فى الفقرة رقم ( 509 ) من متون الأهرام ، و من هنا يضمن أتباع ( أنوبيس )
أن لايلقى نفس مصير ( خنتى إمنتيوا ) بربطه
بالديانة الأوزيرية
.
0 comments:
إرسال تعليق