ثقافة مصر السياسية و الدينية خلال عصر نقادة الثانية


ثقافة مصر السياسية و الدينية خلال عصر نقادة الثانية
............................................................
 تعتبر  حضارة مصر فى عصر نقادة الثانية واحدة من أهم المراحل الحضارية فى عصور ما  قبل الأسرات فى مصر ، فهى تمثل المرحلة الحضارية الثانية لتلك العصور  فتبدأ من 3600   ق . م و حتى 3200 ق . م تقريبا  . و إتفق علماء ما قبل  التاريخ فى مصر على تقسيم حضارة ذلك العصر الى أربع فترات متعاقبة و هى  نقادة أ و نقادة ب و نقادة ج و نقادة د . و تميز ذلك العصر بوجود مراكز  دينية و سياسية كبرى فى الشمال و الجنوب إعتبرها البعض أقاليم مصر فى عصر  نقادة الثانية أو ممالك صغرى على أقل تقدير ، فترأس كل إقليم أو مملكة صغرى  زعيم سياسي و روحى أشرف على جميع الأمور التجارية و الدينية فى مملكته فى  ذلك العصر . و كانت أشهر مراكز ذلك العصر هى : عين شمس و بوتو و المعادي و  سايس و نقادة و نخن و أبيدوس و العضايمة و الهو و الجبلين و أرمنت و  إلفنتين و غيرها من المراكز الأخرى
إن التساؤلات التى تحاول هذه الدراسة الموجزة أن تجيب عليها هى :
1 ما هو الوضع الحضارى لمصر فى عصر نقادة الثانية ؟
2 هل تميزت المراكز الشمالية و الجنوبية بوجود وحدة ثقافية أم كان كل مركز متميز و مستقل حضاريا و ثقافيا عن الآخر ؟
3 هل كانت حضارة نقادة الثانية مرحلة ممهدة لوحدة مصر السياسية ؟
إستهلت مصر عهدا جديدا فى عصر نقادة الثانية ، فتفاعل المصري القديم مع  بيئته بشكل أفضل مما سبق من العصور السالفة و لا سيما بعد أن تمكن من فهم و  إستيعاب إمكانيات بيئته التى طال إستقراره فيها ، فقام بإستغلالها على نحو  أفضل ، الأمر الذي تكشف عنه المنشآت المدنية فى ذلك العصر و لا سيما  المساكن ، فتميزت بما يلي 1 – إزدادت القرى و المدن السكنية و تطورت خلال  عصر نقادة الثانية حيث ظهر تطور ملحوظ فى طراز المساكن و ملحقاتها و مواد  بنائها
2 تطورت مدينة نخن فى ذلك العصر و ظهرت بها المساكن  المستطيلة التى شيدت جدرانها على أساسات حجرية ، و هى واحدة من أقدم  المحاولات فى مصر لإستخدام الحجر كمادة بناء فى مساكن تلك الفترة
3   أمدتنا زخارف و رسومات فخار نقادة الثانية ببعض المعلومات عن أشكال المساكن  و مواد بنائها ، و ذلك من خلال ما رسموه من كبائن المراكب على أوانى  الفخار ، التى شابهت فى هيئتها و أسلوب تشييدها أكواخ السكن و هياكل  المعبودات
4 أهم ما يمكن إستنباطه من تلك الكبائن المرسومة هو  المواد المستخدمة فى البناء فى ذلك العصر و هى أفرع الأشجار و أغصان و فروع  النخيل و النباتات المجدولة فى ألياف ، علاوة على طرز الأسقف المختلفة و  منها السقف المسطح و السقف المقبي و السقف على شكل نصف قبة . ألم تكن هذه  المواد البنائية و الأشكال السكنية هى ذات المواد المستخدمة و الهيئات  العروفة للمساكن فى عصر الأسرات المبكر فى مصر ؟
5 أفضل نماذج لشكل  المساكن خلال تلك الفترة هو ما تعرفنا عليه من خلال نموذج بيت لأحد الزعماء  ، كشف عنه فى أحد مقابر المحاسنة ، مصنوع من الطمى المحروق ، ظهر فيه شكل  المسكن على هيئة مستطيلة ذو زوايا مربعة و جدران مائلة للداخل ، فضلا عن  وجود قاعدة أضخم و أكبر مقارنة بالقمة ، مما يعنى زيادة سمك المداميك  السفلية عن المداميك العلوية ، و لا نستبعد وجود مثل هذا الشكل السكنى  الهام فى بعض المراكز الأخرى ، الأمر الذي يقودنا إلى حقيقة هامة و هى :  وجود معرفة تهيدية بقواعد و مبادىء الهندسة البنائية فى مصر خلال عصر نقادة  الثانية
أما عن عادات الدفن و مقابر ذلك العصر نجد مجموعة من المعطيات الهامة تمثلت فيما يلي :
1 تنوعت أساليب بناء المقابر ، كما تنوعت أساليب بناء المنازل ، ففي  الوقت الذي إستمرت فيه المقابر البسيطة البيضاوية و المستطيلة زاد عليها  المقابر الدائرية و إتخذت المقابر الأشكال المستطيلة عندما كانت تسوى  جدرانها و تحدد جوانبها ، كما إنخفضت أرضية الحيز الذى تم وضع الجثة عليها
2 حفرت كوات صغيرة فى أحد جوانب المقبرة لوضع الأوانى فيها كما تم وضع  الأوانى و القرابين فى الجزء الأعلى للمقبرة فى حالات أخرى ، فظهر هذا  الجزء كأنه رف عريض ، و هى واحدة من المحاولات الأولى لفصل الأثاث الجنزى  عن مكان الدفن
3 كسيت جدران المقبرة من الداخل بطمى سميك و فى بعض  الأحيان بالطمى ثم البوص و الحصير ، فضلا عن وجود حالات ظهر فيها تكسية  بألواح خشبية مما يكشف عن أولى المحاولات لعمل توابيت خشبية تحيط بالمتوفى  من جميع الجهات
4 فى نهايات عصر نقادة الثانية ظهرت محاولات لتحديد  جوانب المقبرة بالطوب اللبن من الداخل مما أفضى إلى تحويل الحفرة ذاتها إلى  حجرة كاملة تم تسقيفها بعد ذلك
5 و فى نهايات ذلك العصر أيضا ،  ترجع المقبرة الشهيرة ، رقم 100 ، فى نخن التى تعرف بمقبرة الزعيم ، حيث  ظهرت فكرة الرسومات الجدارية للمقابر لأول مرة فيها ، فربما كان أحد  الزعماء المحليين لمدينة نخن ، و يمكن إعتباره الجد الأكبر لزعماء العصر  الذي يليه و هو عصر نقادة الثالثة – الأسرة صفر ، الذين خرجوا من منطقة نخن  لتوحيد مصر خلال تلك الفترة ( 3200 ق . م و حتى 3000 ق . م تقريبا ) ،  فظهر ضمن نقوشها و لأول مرة منظر قمع الأعداء بواسطة الزعيم ، فضلا عن أقدم  مناظر معروفة لإحتفال الحب السد ، حيث تم تصوير الزعيم داخل جوسق مرتديا  رداء حابك
إن أهم المعطيات الحضارية لعصر نقادة الثانية هو رسومات و زخارف الفخار التى كشفت عن مجموعة من النتائج الهامة هى :
1 صورت المراكب ذات المجاديف و الكبائن على نطاق واسع ، فشكلت بعض  مقدماتها و مؤخراتها هيئات حيوانية ، مما يدل على وجود معبودات ذات رموز و  أشكال حيوانية كانت تجرى لها شعائر تقديس فى ذلك العصر ، مما يؤكد وجود  هياكل و مقاصير صغرى فى تلك الفترة منتشرة بين الشمال و الجنوب
2   تعتبر صور المراكب هى القاسم المشترك فى معظم زخارف الفخار خلال هذه  المرحلة . و يعكس ذلك بدوره على مدى ما تشير إليه تقدم صناعة المركب فى ذلك  العصر
3 تدل هذه المراكب من خلال رسوم الفخار على إستخدام النيل  منذ ذلك العصر كأهم طريق للنقل و المواصلات من الشمال الى الجنوب أو العكس  مما يؤكد وجود تبادل المنتجات التجارية و الأفكار الدينية و الثقافية بين  مراكز الشمال و مراكز الجنوب الأمر الذي ساعد على وجود تفاعل ثقافى هام بين  هذه المراكز ، فكان ذلك التبادل خطوة أولى نحو خلق وحدة ثقافية تمهيدية فى  عصر نقادة الثانية
يتبين لنا مما تقدم أن البوتقة الثقافية و  الحضارية لمصر خلال عصر نقادة الثانية هو أمر غير مستبعد من خلال تناول  الشواهد الأثرية السابقة ، إلا أن ذلك لا يعنى على الإطلاق أن هذه المراكز  السياسية الكبرى لم تتميز بوجود خصوصية ثقافية مستقلة فى كل منها ، فوحدة  البلاد الثقافية لم تلغى التمايز و الإستقلال الحضاري لمراكز الجنوب و  الشمال فى عصر نقادة الثانية ، فكانت هناك سمات مشتركة تجمع بينهم و سمات  مميزة و مختلفة تميز كلا منهم عن الأخرى
و مما لا ريب فيه أن ذلك  التفاعل الثقافي كان خطوة أولى نحو تفاعل أكبر و أعمق فى العصر الذي تلاه و  هو عصر نقادة الثالثة – الأسرة صفر مما يؤكد حقيقة هامة و هى : وجود وحدة  ثقافية فى مصر ساعدت على إتمام الوحدة السياسية كنتيجة طبيعية للمعطيات  السابقة
و بذلك يمكن القول أن عصر نقادة الثانية هو عصر شهدت فيه البلاد تقدما سياسيا واضحا من خلال مفهوم الزعامة و السيادة على الإقليم أو المركز ، فظهرت الرسوم و الزخارف التى تروج سياسيا و دينيا لمفهوم الملكية الناشئة و التى برزت إرهاصاتها الأولى من خلال ذلك العصر إلى أن تبلورت فى عصر نقادة الثالثة – الأسرة صفر ، فجاءت على شكل ناضج و قوي

0 comments:

إرسال تعليق

أهم المواضيع