العمارة الأسلامية من القيمة الى الأثر


ليست المفاهيم الحديثة التى ترتبط بالعمارة الإسلامية وليدة العصر الحديث بل أنها قديمة أدركها الأقدمون وعرفوا ما تحمله هذه العمائر من قيم تاريخية وفنية ومعمارية ومن ذلك ما ذكره المؤرخون والرحالة عن هذه العمائر فيقول ابن بطوطة عن القاهرة : " ... المتناهية فى كثرة العمارة المتناهية بالحسن والنضارة "ويقول فى موضع آخر عن أمرائها : " وكل هؤلاء يتنافسون فى أفعال الخيرات وبناء المساجد والزوايا " وقال أبو القاسم الزيانى : " ... رحم الله أفاضل الملوك الذين درجوا والذين من خلفهم على مناهجهم نهجوا لقد خلدوا من المآثر الدينية ما أوجب خلود الثناء عليهم ووصول الدعاء ممن بعدهم إليهم ولم يزل أهل المشرق إلى الآن لهم فضل اعتناء ببناء المساجد والخانقاوات ويبالغون فى تعظيمها ويتأنقون فى ذلك ويبادرون إلى إصلاح ما وهى منها "
وعندما زار " فرانك لويد رايت " مدرسة السلطان حسن عام 1958م قال عنها : " كيف يفكر قوم لديهم مثل هذه الروائع أن يتركوها ويستبدلوها بسوءات العمارة الغربية التى يحاول الغربيون أنفسهم أن يتخلصوا منها ؟! "
ويقول جوستاف لوبون : " وما على المرء إلا أن ينظر إلى آثار العرب الأدبية والفنية ليعلم أنهم حاولوا تزيين الطبيعة دائماً وذلك لما اتصف به الفن العربى من الخيال والنضارة والبهاء وفيض الزخارف والتفنن فى أدق الجزئيات وأضاف قائلاً عن مدرسة قايتباى بالقرافة : " ولو لم يكن للعرب من المبانى غير جامع قايتباى لاعتقد الناس لا ريب أنه عنوان فن لا صلة قريبة أو بعيدة بينه وبين أى فن آخر "

القيم المرتبطة بالعمائر الإسلامية بمدينة القاهرة ؛

صنف المعمارى روى ورسكت ( Roy Worskett ) القيم التى تحملها العمائر إلى عشر قيم هى : القيمة المعمارية ـ القيمة التاريخية ـ القيمة الرمزية ـ القيمة الأثرية ـ القيمة الفنية ـ القيمة السياسية ـ القيمة الاجتماعية ـ القيمة الاقتصادية ـ القيمة الروحية

وقد أدرك مشيدو العمائر الإسلامية القيمة التاريخية لهذه العمائر فتسابقوا فى تشييد العمائر التى تخلد أسمائهم وتمجد عصورهم بل إن بعضهم أشار إلى ذلك صراحة ومن أمثلة ذلك ما ذكره المؤرخون من روايات حول بناء جامع أحمد بن طولون فقد ذكر القضاعى أن أحمد بن طولون قال : " أريد أن أبنى بناء إن احترقت مصر بقى ، وإن غرقت بقى ... "

اولا: القيمة السياسية والدينية للعمائر الإسلامية ؛

ليس من شك فى أن كثير من العمائر الإسلامية ذات قيمة دينية كبيرة ومن العمائر الإسلامية التى تتصف بهذه الصفة جامع عمرو بن العاص فقد أورد المقريزى نصاً مهماً يرتبط بهذا الجامع فقال : " وهو [ جامع عمرو بن العاص ] أول مسجد أسس بديار مصر فى الملة الإسلامية بعد الفتح ( خرّج ) الحافظ أبو القاسم بن عساكر من حديث معاوية بن قرة قال : قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه من صلى صلاة مكتوبة فى مسجد مصر من الأمصار كانت له كحجة متقبلة فإن صلى تطوعاً كانت له كعمرة مبرورة وعن كعب من صلى فى مسجد مصر من الأمصار صلاة فريضة عدلت حجة متقبلة ومن صلى صلاة تطوع عدلت عمرة متقبلة فإن أصيب فى وجهه ذلك حرم لحمه ودمه على النار أن تطعمه وذنبه على من قتله "
ومما لا شك فيه أن القدماء من حكام للمسلمين أدركوا مثل هذه القيمة الدينية ومن ثم اهتموا بهذا الجامع اهتماماً كبيراً كما يستشف مما سرده المقريزى عن هذا الجامع طوال تاريخه.

وارتبط الأزهر فى بداية نشأته بالمذهب الشيعى فبدأ الأزهر يلعب دوراً مميزاً كمدرسة ومن هنا نشأ نظام التدريس بمفهومه المنظم ويعتبر الوزير يعقوب بن كلس أول من فعل ذلك عام 378هـ/988م .

كما ارتبطت كثير من العمائر الإسلامية بالقاهرة بأحداث مهمة خلدها التاريخ ولها أثر واضح فى المجتمع سواء على المستوى المحلى العمرانى المحيط بها أو على المستوى القومى وتزداد قيمة هذه المبانى بزيادة أهمية الحدث الذى ارتبطت به.
وهناك العديد من الأمثلة التى تحملها العمائر الإسلامية وتشير إلى القيمة السياسية المرتبطة بحدث معين ومن ذلك أن جامع عمرو بن العاص بالفسطاط هو أحد المعالم الباقية من الفتح الإسلامى فلا توجد أية دلائل على هذا الفتح سوى ما سطره المؤرخون فى كتبهم وبعض ما كتبوه يعود إلى فترات تالية على الفتح الإسلامى ومن ثم أصبح هذا الجامع يحمل مؤشراً ذو قيمة دينية وسياسية كبيرة لأنه يعبر عن فترة زمنية كان لها تأثير كبير على مصر بزوال حكم الرومان وبداية الحكم الإسلامى فى مصر ، ومن ناحية العمارة فهذا الجامع يعتبر من أقدم الجوامع فى مصر بل فى إفريقيا كلها.

أما الجامع الأزهر فهو علامة بارزة من حيث القيمة السياسية والدينية أيضاً ففى هذا الجامع أمر جوهر الصقلى بقطع الخطبة لبنى العباس وحرم لبس السواد شعار العباسيين وأمر بلبس البياض فانقطعت بذلك دعوة بنى العباس من مصر والحجاز واليمن والشام

أما فى عصر سلاطين المماليك فقد لعب الأزهر دوراً لا يستهان به فى توجيه السياسة المصرية فقد كان السلاطين يلجأون إليه تثبيتاً لسلطانهم أو تأييداً لهم على أعدائهم .

وفى الأزهر برزت قيمة مقاومة المستعمر فى العصر الحديث وظهر ذلك منذ الحملة الفرنسية على مصر فقد تزعم رجال الأزهر الحركة الوطنية التى أدت فى النهاية إلى طرد هذه الحملة من مصر.

كما كان رجال الأزهر من أكثر رجال الدين الذين وقفوا ضد قرارات الحكام الجائرة ومن ذلك أنه عندما تضرر أصحاب ونظار الأوقاف من حصر محمد على باشا للأوقاف حضر الكثيرون منهم إلى الجامع الأزهر يستغيثون بالعلماء

فذهب العلماء إلى محمد على بالقلعة وذكروا له ما ترتب على ما فعله من خراب المساجد واستمرت قيمة الدور الذى لعبه الأزهر عبر العصور حتى القرن العشرين الميلادى ومن ذلك أنه فى 8 يناير عام 1907م كان عيد جلوس عباس حلمى الثانى فى حكم مصر فأقيم احتفال بالجامع الأزهر بهذه المناسبه كما أن نظرة واحدة على المسقط الأفقى للجامع الأزهر توضح لنا مدى اهتمام الولاة والحكام بهذا الجامع فأصبح الجامع الرئيسى كنواة محاطة بغلاف من المنشآت التى تعود إلى العصر المملوكى البحرى والجركسى والعصر العثمانى حتى القرن العشرين الميلادى.

ومن المبانى المعمارية التى تمثل قيمة سياسية كبيرة أسوار وأبواب القاهرة وترجع قيمتها فى وقتها إلى أنها ارتبطت بالخصوصية فى بداية أمرها فقد كانت القاهرة خاصة بالمعز وحاشيته ومن معه : " وصارت القاهرة دار خلافة ينزلها الخليفة بحرمه وخواصه إلى أن انقرضت الدولة الفاطمية "

أما الباب المحروق فيمثل قيمة سياسية كبيرة لأرتباطه بحدث تاريخى مهم ففى عام 652هـ/ 1254 ـ 1255م أراد بيبرس البندقدارى وقلاوون وبعض مماليك الفارس أقطاى الخروج من القاهرة ليلاً فوجدا باب القراطين مغلقاً فأضرموا فيه النار فعرف منذ ذلك الوقت باسم الباب المحروق

كما يمثل باب زويلة قيمة بارز للتحول السياسى بزوال العصر المملوكى وسيطرة الأتراك على مصر فقد ارتبط هذا الباب بشنق طومان باى على عام 923هـ/ 1517م

وتزداد القيمة السياسية والدينية فى كثير من القباب التى تضم رفات أشخاص كان لهم دور كبير فى تاريخ مصر الثقافى أو الدينى أو السياسى ومن ذلك القيمة الدينية للقباب الضريحية الخاصة بآل البيت كما هو الحال فى قبة عاتكة والجعفرى وقبة السيدة رقية وضريح السيد نفيسة وغيرها من المشاهد الفاطمية وقبة الإمام الشافعى المرتبطة بأهل السنة أو تلك المنشآت التى دفن فيها سلاطين المماليك كقبة المنصور قلاون
التى دفن فيها المنصور قلاون وابنه الناصر محمد بن قلاون والملك الصالح عماد الدين إسماعيل وخانقاة السلطان فرج بن برقوقوجامع محمد على بالقلعة الذى يضم رفات مؤسس نهضة مصر الحديثة محمد على باشا وجامع الرفاعى الذى يضم الكثير من مقابر حكام مصر من الأسرة العلوية

ومن عصر الأسرة المالكة يعبر سبيل أحمد باشا رفعت بالحسين عن قيمة كبيرة من الناحية السياسية فقد أنشأته والدته عام ( 1864م ) صدقة على روحه.
وتزداد القيمة السياسية فى كثير من العمائر التى كانت مقراً للحكم وتمثل القلعة قيمة سياسية ذات أهمية كبيرة فهى فى المقام الأول كانت مقراً لحكام مصر منذ العصر الأيوبى حتى تشييد قصر عابدين .
وقد شهدت قلعة الجبل العديد من الأحداث السياسية فمع أنها كانت مقراً للحكم فهى أيضاً كانت مقراً لسجن كثير من الأمراء فى العصر المملوكى وتوسيطهم وفى القلعة كان تأسيس أول مدرسة حديثة عام 1231هـ/1815م
وقد انتقل الحكم بعد ذلك إلى قصر عابدين وأصبح هذا القصر اليوم علامة من علامات الحكم المصرى فى عهد الخديوى إسماعيل وقد شهد الكثير من الأحداث ذات القيمة السياسية ومن ذلك حادث عرابى الشهير

0 comments:

إرسال تعليق

أهم المواضيع